أنا وجمهوري ..واحد
الملك محمد منير: لن أقف محلك سر !
أجري الحوار: حسام فاروق
اختار منذ البداية أن يخوض معاركه بمفرده. وأن يغير جغرافية الغناء في مصر ويبتكر لغة جديدة حروفها من طمي النيل وحجارة أسوان رافضاً الأغنية التي ترتدي البابيون وتتحدث في معان وأحاسيس متشابهة.
تمر عليه التجارب وهو يقف صامداً كالمناضلين. وبذكاء شديد استطاع علي مدار ثلاثين عاماً أن يرتوي من كل نبع وقف عنده فأخذ من عذوبة بليغ حمدي وفلسفة صلاح جاهين وأصالة أحمد منيب ومصرية عبدالرحيم منصور.
ولأنه أخذ علي عاتقه توصيل كل الرسائل الرقيقة إلينا فكان لقاؤه بجمهوره في عيد الحب فيه حميمية أضافت دفئاً جميلاً لليلة الشتاء الباردة.. إنه محمد منير رجل المفاجآت الشيقة والممتعة..
التقيناه في منزله بجاردن سيتي وتحدثنا في أمور كثيرة وباح لنا بأسرار خاصة.. وفضلنا أن نبدأ معه بعيد الحب وسألناه:
* احتفل جمهورك معك بهذه المناسبة الجميلة فكيف تري الحب بمفهومك؟
** لا أبالغ إذا قلت إنني لا استطيع الحياة بدون حب. ولقد أنعم الله عليّ بجمهور عريض يحبني وأحبه. والحب في معناه لا يقتصر علي العلاقة الرومانسية بين رجل وامرأة.. فنحن بذلك نضيق المفهوم جداً والحب في نظري كلمة ذات معان كثيرة فيه ثورة وغضب وعشق ولوعة وطموح وأمل وانتصار وانكسار.. الحب هو الحياة كما نحب أن نتخيلها وأصدق بذلك علي قول الشاعر الرقيق نزار قباني: الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لإخترعناه.
* وهل عشت تجربة الحب بمفهومه الرومانسي بين رجل وامرأة؟
** ضحك منير وقال: من منا لم يعش تجربة حب بهذا المفهوم فلها جمالها وخيالها وأحلامها ولابد أن تمر علي أي إنسان له قلب ومشاعر في أي مرحلة من عمره لكنني لا أحب الحديث في هذا الموضوع لأن قصة الحب إن وجدت فلها قدسيتها وخصوصيتها.. يكفي أن أقول أنني أحب فني وأموت فيه وأحب الوصول للناس ودخول بيوتهم بأغنياتي ومعهم وبهم أجد الحب الحقيقي الذي يملكني وأولاً وأخيراً "ربك لما يريد".
محطات
* كيف اخترت الأغاني التي قدمتها في الحفل؟
** حاولت عمل توليفة غنائية عبارة عن محطات من مشواري علي مدار ثلاثين عاماً عبرت بها عن حبي لجمهوري وقدمت تنويعة ما بين القديم والحديث من أغنياتي وأحياناً تأخذني الحالة التي أعيشها مع الجمهور في الحفل إلي أغنيات بعينها أجدهم يرددونها وأجدني أغنيها دون سابق إعداد.
* هل في مشوارك أغنيات بعينها تجدها أكثر مناسبة للتعبير عن الحب في هذا اليوم؟
** كل أغنياتي تعبر عن الحب بطريقة أو بأخري وأميل دائماً إلي التعبير عن الحب كقيمة عظيمة من خلال فكرة فيها عمق وفلسفة فلو تأملنا مثلاً أغنية مثل "لو بطلنا نحلم نموت" تجدها تعبر عن الحب من خلال التمسك بالحلم وكل أغنياتي علي هذا المنوال بداية من علموني عنيكي وبنتولد إلي الآن.
* اخترت منذ البداية أن تغوص في أعماق التراث الجنوبي وتقدم أغنيات تحمل توقيعك وحدك هل كان ذلك مقصوداً أم جاء بالصدفة؟
** لا مكان للصدفة في حياتي.. فقد ولدت وتربيت في أسوان وعشقت منذ الطفولة الغناء النوبي والسلم الخماسي وأغاني التراث في أسوان وحلايب والعبابده وأدركت منذ البداية أنني ابن لهذه البيئة والتجربة ولن أكون في أعلي درجات صدقي إلا بها.. وخططت منذ البداية لهذه الفكرة ووجدت من يشاركني إياها أذكر منهم أحمد منيب وحسن جاسر وعبدالرحيم منصور.. وبدأت التجربة المختلفة مع "مسكينة حبيبتي السمرا" و "أمانة يابحر" و "شجر اللمون" و "الليلة ياسمرا" و "بنتولد".
مواكبة
* لماذا تحرص علي تقديم التراث بالشكل العصري؟
** العالم كله يضج بالتكنولوجيا علي جميع الأصعدة ولقد شهد الحقل الموسيقي والغنائي في العالم نقلات كبري تستحق التقدير والاحترام وتستحق منا أيضا المواكبة. فلا يجب أن يتحرك العالم من حولنا ونحن نقف "محلك سر" ولا أجد مشكلة في أن نقدم تراثنا للعالم بشكل عصري دون المساس بقوامه فدورنا ليس فقط الحفاظ علي التراث إنما أيضا التفكير في طرق جديدة لتقديمه لأننا نملك كنوزاً تراثية جديرة بأن تصعد بنا للعالمية. وأنا عشت حياتي مهموماً بالاطلاع علي التجارب الموسيقية الناجحة في أوروبا وأمريكا وأميل دائما للتوزيعات الجديدة.
* بالمناسبة هل صحيح أنك في طريقك لعمل مشترك مع فريق "ICH AND ICH"؟
** نعم لقد حضر لي مؤخراً أحد أعضاء الفريق وأبحث الآن عن عمل مختلف يضيف للطرفين خاصة أن الفريق له جماهيرية عريضة في ألمانيا وأوروبا.
* هل ستفكر في عمل من التراث أيضا؟
** أفكر في مشاركتهم عملاً مصرياً صميماً نابعاً من طين الأرض المصرية نقدمه للعالم بلغة جديدة.
مواجهة الكوارث
* لماذا خصصت إيراد الحفل الأخير لصالح الهلال الأحمر المصري؟
** المعروف أن الكوارث الكبري التي تبلي بها الأوطان قدرية وتأتي دون سابق إنذار مثلما حدث مثلاً في الدويقة حيث انهارت الصخرة وراح ضحيتها عشرات الأسر ما بين الموت والتشرد وأنا عاشق لبلدي ولدي اقتناع كبير بأن الفنان يجب أن يقدم شيئا لوطنه فقررت ان يكون إيراد الحفل نواة لصالح المخزون الاستراتيجي للهلال الأحمر المصري وهذا الصندوق يهدف إلي مواجهة أي كارثة طارئة لا قدر الله.
* نشعر من كلامك أن لديك إحساساً بخطر مقبل أليس كذلك؟
** نعم كيف لا نشعر بالخطر ولدينا ما يقرب من 5 ملايين طفل من أطفال الشوارع يعيشون تحت الكباري وفي الأنفاق ومن الممكن أن نجدهم مجرمين في المستقبل.
حرب ضدي
* البعض يتهم جمهورك بالخروج عن التقاليد العامة في حفلاتك ما تعليقك؟
** أرفض هذا الإتهام بشدة واؤكد أن المقصود ليس جمهوري إنما هي حرب ضدي والجميع يعلم أن جمهوري ينتمي إلي كل الشرائح والطبقات ويأتي إلي حفلاتي الغني والفقير. المثقف والأمي والمصري والأجنبي.. كما أن جزءاً كبيراً من جمهوري عائلات ولو أن عائلة واحدة شعرت بأن حفلاتي بها خروج عن المألوف لما زاد هذا الحضور من العائلات.
* قدمت في حفلك الأخير لأول مرة أغنية "عدي النهار" لعبدالحليم حافظ ما الذي دفعك في هذا الوقت لأن تغني للعندليب؟
** منذ فترة طويلة تراودني فكرة غناء عمل للراحل الكبير عبدالحليم حافظ وكنت متخوفاً من هذه الفكرة رغم تشوقي لها إلي أن ساق لي القدر سبباً لخوض التجربة.
* وما هو السبب؟
** جاءني اتصال من صديقي المبدع الجميل الشاعر عبدالرحمن الابنودي يطلب مني آداء تتر البداية والنهاية لبرنامج تليفزيوني يتناول مشوار حياته وإقترح أن أغني "عدي النهار" فوافقت علي الفور لأنني أحب الأبنودي ولا استطيع أن أرفض له طلب وهو مبدع له تاريخ طويل مع الأغنية المصرية ووجدتها فرصة أن أغني الأغنية في الحفل والحمد لله استقبلها الجمهور بحب.
* هل صحيح أنك رفضت غناء أغنية المسيح لعبدالحليم في نفس البرنامج؟
** نعم رغم أنني تحمست في البداية لهذه الأغنية لكنني عندما فكرت شعرت أن بها قدراً من العنصرية عند ذكر كلمة يهود لأن اليهودية ديانة ولو أن الأبنودي ذكر الصهاينة أو إسرائيل مثلاً لاختلف الأمر.
* بمناسبة الحديث عن عبدالحليم حافظ هل قابلته قبل رحيله؟.
** لا
* جيلك بأكمله كان في البداية منبهراً بتجربة عبدالحليم فكيف تنظر إليه كفنان؟
** ربما لم يكن حليم الصوت الأفضل بين نجوم جيله لكنه أصبح نجم الغناء بلا منافس.. لأن الصوت وحده لا يكفي.. وحليم إمتلك الذكاء والإحساس والقدرة علي الاختيار والإنفعال مع الناس هذا إلي جانب أن حليم كان نفسه جزءاً من تجربة سياسية وشعبية عظيمة.. كما أن حليم كان لديه إصرار علي النجاح والنجومية حتي لو كلفه ذلك حياته.
* لماذا يخاف البعض من آداء أعماله رغم أنها ليست الأصعب؟
** لأن حليم كان في أعلي قمة الإحساس الذي من الممكن أن يعيشه مطرب وهو يغني فبدون شك ستكون مجاذفة لأي مطرب أن يغني أغانيه.
* هل هناك أغان أخري ستؤديها في برنامج الأبنودي؟
** سأغني مقاطع قصيرة من أغنيتي "ساعات ساعات" لصباح لحن جمال سلامة و "عدوية" للراحل محمد رشدي لحن بليغ حمدي.
* تردد أن هناك فيلماً سينمائياً جديداً يروي قصة حياتك ما صحة ذلك؟
** نعم واسمه "المغنواتي" وحالياً أجلس مع المؤلف بلال فضل الذي رشحته لكتابة السيناريو.
* هل ستصر كعادتك علي عدم التعرض لبعض التفاصيل الخاصة في حياتك؟
** بالطبع نعم لأن حياتي الشخصية ملكي وحدي ولا يجوز لأحد التطرق إليها وهذا ما قلته لبلال فضل كما أن ثراء حياة الفنان ليس في أموره الشخصية إنما في كفاحه وإصراره علي النجاح ومواجهة العقبات.
* تعرض إحدي القنوات الخاصة حالياً سلسلة لقاءات تليفزيونية معك تتحدث فيها عن مشوارك ما الذي دفعك لذلك الآن؟
** في وقت من الأوقات يكون الفنان في حاجة إلي التواصل مع جمهوره بمثل هذه النوعية من البرامج. كما أنني لست من الفنانين دائمي الظهور في البرامج وعندما وجدت الفكرة مناسبة للظهور وإطمأننت علي الشكل والسياق التليفزيوني وجدتها فرصة أن أتحدث لجمهوري بعد 30 عاماً من الغناء وأشكره علي مساندته لي في هذا المشوار.
* أخيراً هل أنت سعيد بلقب الملك؟
** سعادتي جاءت من أنه لقب منحه لي الجمهور فلم أسع في حياتي وراء ألقاب أو تصنيفات إنما هدفي دائما أن أظل عند حسن ظن جمهوري بي وإذا كان الناس لقبوني بالملك فهم يملكونني بحبهم.
منقول شاشتى