يسرى حسن
عدد الرسائل : 336 تاريخ التسجيل : 27/01/2009
| موضوع: 20سنة صحراء الأحد 22 فبراير 2009, 7:02 pm | |
| ثقافة الصحراء وأهازيجها... رحالة هولندية تجوب صحراء مصر والسودان لمدة20 عامابقلم : سناء صليحة صحراء مصر لازالت كنزا ملئ بالاسرار للباحثين تمثل الصحراء في مصر حوالي96% من اجمالي مساحتها.. وبرغم صعوبة الحياة في الصحراء الجرداء تحت الشمس الحارقة وبرغم ما تبعثه في النفس من مخاوف, ظلت الصحراء دائما أشبه بنداهة يوسف ادريس, تستقطب البدو والرحالة الأجانب في رحلة لا تنتهي, بحثا عن جدول أو نقطة ماء أو درب جديد أو حتي مجرد سراب لابد من الهرولة صوبه لاكتشاف حقيقته.
فعلي امتداد الصحراء من الاسكندرية إلي السلوم وفي الواحات وشبه جزيرة سيناء استقرت جماعات البدو وشكلت ثقافتها الخاصة التي تختلف إلي حد كبير عن ثقافة أبناء الوادي. وقد ظلت هذه الثقافة لسنوات طويلة في عزلة وشبه انفصال عما يحدث في الوادي, الأمر الذي أدي لترسيخ وسيادة نظمها وتقاليدها وأعرافها وبالتالي الاطار الثقافي الذي يحكم فهم ووعي أبناء هذه المجتمعات ويحدد أنماطهم السلوكية والنظم التي تحكم تعاملاتهم داخليا أو خارجيا مع الآخر, الذي تلقي به الظروف في طريقهم سواء كان موظفا من أبناء الوادي أو رحالة أجنبيا مغامرا.
مع ذلك فمن الملاحظ أن السنوات الأخيرة قد شهدت تنامي الاهتمام بدراسة ثقافة هذه المجتمعات, نتيجة للعديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي كان من بينها محاولة التغلب علي الآثار الناجمة عن احتلال إسرائيل لسيناء عقب حرب67 والتغلب علي مشكلة الفراغ السكاني في شبه الجزيرة وتبعاتها الأمنية واهدارها لفرص استثمار موارد المنطقة أو ظهور مشاريع اقتصادية, وزيادة حركة السياحة في سيناء والواحات.
فظهرت مجموعة من الدراسات التي ارتكزت علي خلفية دراسات الفنون الشعبية والفولكلور وعلم الاجتماع وحاولت دراسة ثقافة المجتمعات البدوية المصرية والسمات التي تميزها عن ثقافة المجتمع المصري وتأثير هذه السمات علي البناء المعرفي لأبناء تلك المجتمعات, الذي يشكل بدوره أفكارهم وأنماط سلوكياتهم وتقاليدهم وبالتالي هويتهم التي يتعرفون من خلالها علي أنفسهم ويتعرف بها الآخرون عليهم.
كذلك فقد ظهرت بعض الدراسات التي ركزت علي المتغيرات التي لحقت بتلك الجماعات نتيجة الاتصال بثقافات أخري وأثر ذلك علي هوية وانتماء هذه المجتمعات للمجتمع المصري ومن بينها دراسة أحمد عبد الموجود الشناوي عن جنوب سيناء والعريش التي قدمها تحت عنوان الهوية الثقافية للمجتمع البدوي ودراسة ايمان عبد المنعم( العربان ودورهم في المجتمع المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر) ودراسة صلاح الفوال دراسة علم الاجتماع البدوي وغيرها.
وإذا كانت بعض من هذه الدراسات قد كشفت أن المشاريع الاقتصادية والاتصال بالأجانب سواء من أبناء الوادي أو السائحين ووصول وسائل الاعلام لعدد من المناطق النائية قد بدأ يلعب دورا في تغيير كثير من القيم التقليدية للمجتمعات البدوية في مصر واكتساب أفرادها سمات ثقافية جديدة يتم دمجها في ثقافتها التقليدية أو ازاحة القديم منها لصالح الجديد الوافد, الأمر الذي يتطلب مزيدا من الدراسات الميدانية لاكتشاف ثقافة باتت تشكل حيزا مهما في الواقع الاجتماعي والثقافي المصري
فإننا اليوم نحاول أن نقترب من هذه الثقافة من خلال عيون وتجربة الآخر, وبتعبير أوضح من خلال حوارنا مع الهولندية ارتيا باجينز التي هجرت عملها المستقر في هولندا قبل عشرين عاما واختارت أن تعيش تلك السنوات مرتحلة علي ظهر جمل في صحراء مصر والسودان وقدمت تجربتها المثيرة في كتابها أغنيات الصحراء الذي صدر أخيرا عن مركز النشر بالجامعة الأمريكية: ارتيا باجينز
الصحراء متحف مفتوح بدون لافتة ممنوع اللمس..... صرت وحدي لأول مرة في حياتي وشعرت أن حياتي باتت ملكي وانني وحدي المسئولة عنها.. كي نفهم الصحراء لابد أن نرتحل إلي ماضيها..
عبارات التقطتها عيناي من بين سطور ارتيا واستشعرت منها أن تجربة الكاتبة لم تكن مجرد محاولة لتوثيق ما هو كائن علي أرض الواقع بقدر ما كانت انعكاسات هذا الواقع علي نفسها وهكذا جري الحوار بيننا.. قالت عن بداية علاقتها بالصحراء.. تجربتي الأولي كانت في سيناء يوم كانت محتلة.. لم أنس قط أولي خطواتي علي رمالها ولا الفضول الذي تملكني لأعرف سر المكان وطبيعة حياة أهله ولا تلك الفكرة الملحة التي راودتني أن أهجر الحضارة الغربية وأن أرتحل علي ظهر جمل..
فكرة ظلت تلح علي مثلما كانت تلح علي صور الرمال والجبال كلما نظرت من نافذة مكتبي في هولندا الكثيفة الخضرة. من هنا تكررت زيارتي لسيناء وإن لم تتجاوز في المرة الواحدة اسبوعا ثم قررت أن أرتحل عبر الصحراء لمدة شهرين وفي تلك الفترة شعرت أن الصحراء منزلي واغرمت بالجمال وبالتالي هجرت عملي نهائيا في هولندا وقررت أن أبدأ رحلتي لاستكشاف الصحراء....... قالت: في البداية كانت فكرة المغامرة هي المسيطرة علي تفكيري ثم جاءت مرحلة الاستمتاع بتجربة العزلة والتعامل مع الغياب الكامل لكل معالم الحياة والاعتماد علي نفسي وعلي بوصلتي وجملي الذي كثيرا ما شعرت أنه لا يحتاج إلي.. في تلك الفترة بدأت أتعرف علي حقيقة نفسي.. .... اهتمامي بالبشر وبثقافتهم جاء في مرحلة تالية وكنتيجة لاستقراري بينهم لفترات للتزود بالمؤن أو العودة لاصطحاب الجمل الذي كنت أتركه في رعايتهم أثناء شهور الصيف..... كنت أتحرك بينهم بشكل عادي ولم أتخف في زي رجل.. بالطبع تملكهم الفضول وربما الشك في دوافعي وهويتي ولكن هذا لم يستمر طويلا نتيجة لاني كنت أحمل بطاقة تعريف من شيخ أحد القبائل.. في البداية كنت أحمل سلاحا لا أعرف كيف استخدمه ولكني حملته اتباعا لنصائح البعض ولكني بعد فترة تركته إذ شعرت انني لا أحتاج إليه.. كنت أتواصل مع الناس بالاشارات وتدريجيا وبعد أن شاركتهم الحياة تواصلنا....
البدو المصريون ظرفاء كرماء يحبون التواصل, وبدو السودان هادئون, أكثر صرامة من المصريين وأقل فضولا ويفخرون بأنفسهم...... أجابت بالطبع حدث تغير في شكل الحياة.. كانت الفرافرة مجرد حدائق آمنة وكأنها الجنة ولكن بعد هجرة أبناء الوادي إليها والمستثمرين في عام1988 باتت مدينة فيها مطاعم وفنادق فلم يعد أهل الواحة بحاجة لاستضافة الغريب. كذلك فقد حمل أبناء الوادي معهم بالاضافة للعربات ووسائل الحياة العصرية أساليب تعامل مختلفة عن تلك التي عرفتها الأجيال السابقة. فالشيوخ هناك يشعرون أنهم يستلبون ولكن الأجيال الجديدة سعيدة بهذا التغيير وقد أمضيت عامين لأرصد ذلك...
أجابت أنا لا أحب هذا التغيير تماما مثل شيوخهم ولكن الشباب هناك قالوا لي أنت تريدين تحويل المكان لمتحف ونحن نريد أن نعيش وأن نجد فرص عمل.. لحظتها أدركت منطقهم وتفهمته وعرفت أن علي الكاتب أن يفصل ما بين تحيزاته الخاصة ورصده للظواهر..... قالت بصوت متهدج كتابي ليس مرجعا ولكنه انشودتي للصحراء وللجبال والبشر.. انه تجربة20 عاما تجربة منحتني الكثير, فلم تعد الصحراء شيئا أخشاه ولكن اختيار أقدمت عليه.. عندما هجرت مهنتي اخترت الفقر واخترت أن أعيش الحياة التي حلمت بها..... نعم هذه أغنية الصحراء التي يتردد صداها في أذني وتعلمتها من الصحراء لا تخش المخاطرة.. لا تخف أن تكون نفسك.. لا تهدر أحلامك.
هكذا كانت أغنية الصحراء بالنسبة لارتيا وربما حملت معاني أخري لمن سبقوها من الرحالة الأجانب الذين تتبعت المسارات التي اتخذوها منذ الأزل ورصدتها في فصل كامل من كتابها, ولكن تري أي أغنيات وأهازيج يمكن أن تبوح بها الصحراء ويسر لنا بها أبناؤها, نحن أبناء الوادي.. في ظني أن الأمر يحتاج منا المزيد من البحث والتحقيق لاكتشاف أبعاد هذه الثقافة وحل شفرتها وتتبع المتغيرات التي طرأت عليها علي أمل أن نرسم خريطة أوضح للثقافة المصرية أو أن نحاول أن نستشرف مستقبلها في ظل كل المتغيرات الجديدة. الاهرام | |
|